د. ايلي أبو عون 1

أمين عام جمعية ألفتحرك من أجل حقوق الأنسان

أستاذ محاضر (زائر) في مادة حقوق الأنسان

استعرت مواقع التواصل الاجتماعي مرة جديدة ابان اطلاق اغنية ميريام كلينك و استفاق الجدل عن الرقابة و دور الدولة في حماية القيم الاجتماعية. رغم أن الانقسام حول أغنية كلينك لم يكن بنفس الحدية التي رأيناها في حالات أخرى (لعله نتيجة وقاحة الأغنية و قلة ذوقها و اقحام طفلة فيها) لكن خطوط التباينبين مؤيد و معارض ظلت الى حد كبير هي نفسها. و قبل الخوض في جوهر النقاش لا بد من عرض أنواع الرقابة و أهدافها بشكل عام.

مفهوم الرقابة تطور كثيرا مع مرور الزمن و لو ان النيجة لم تختلف كثيرا. عادة يعلل وجود آليات رقابة على الأعمال الفنية و الأكاديمية و الاعلامية و الأعلانية و غيرها على انها وسيلة لحماية المجتمع بينما تتحول في السواد الأعظم من الحالات الى اداة لكم الأفواه.

فالرقابة عادةً ما تكون إمّا ذاتية (من صاحب الرأي أو العمل نفسه) و اما خارجية (من طرف ثالث) و اما أن تكون ضمن سياق قانوني\اداري (محكمة, وزارة,مجلس وطني للاعلام…) أو سياق خاص (عائلي, اجتماعي, ديني, اكاديمي: مهني…). كما تقسم الرقابة الى مسبقة (قبل صدور المنتج) او لاحقة (بعد صدوره).

مبدأ الوصاية على المجتمع من قبل مراجع منصبة قانونياً أو عرفياً قديم, من قدم البشرية, و هو متلاصق بطبيعة البشر و لا جدوى من توقع التخلص منه بالكامل.في الوقت نفسه, لا بد من أن يترافق مع ضوابط واضحة كي لا يتحول الى أداة قمع. و بما أن الهدف (المعلن أقلّه) من أي آلية رقابية هو حماية المجتمع و القيم,وجب تقييد مخرجات هكذا ألية باطار مبادئ حقوق الأنسان النابعة من الكرامة المتأصلة في جميع أعضاء الأسرة البشريةكما جاء في الأعلان العالمي لحقوق الأنسان.

و انسجاماً مع هذه الضرورة الأخلاقية, برزت نماذج في عدة دول معروفة بممارسة ديمقراطية متقدمة مفيدة للحالة اللبنانية التي لا تزال تتخبط بآلية رقابية قديمة و قمعية و غير مجدية, خاصة في عصر العولمة و الأعلام المتاح للكبير و الصغير دون اذن و دستور .

احدى ضوابط الرقابة أوّلاً أن تكون لاحقة و غير مسبقة لأنّ الأخيرة تتحول حكماً الى فعل قمعي و مقيّد للحريات. فالرقابة المسبقة تأخذ غالبا شكل الحكم على النواياو\أو ترتكز على رأي شخصي استنسابي في السواد الأعظم من الحالات.

و هنا تأتي أهمية هوية المرجع المولج مسؤولية الفعل الرقابي. ففي لبنان كما في كل الدول السلطوية اعطيت الصلاحية الرقابية الى هيئات أمنية أو دينية (حسب الحالة). و في كلتا الحالتين تتداخل الأراء الشخصية مع المواقف المتحجرة لتحول هدف الحماية الى منحى قاتل للحريات الفردية و الأبداع. كما و يزيد بين الشرخ بين شرائح من المجتمع و هذه الهيئات الأمنية أو الدينية. فالأمنيين مدربون للقيام بمهام أمنية و المراجع الدينية تجيد العمل الدعووي و الرعوي و في كلتا الحالتين هم غير مخولين الحكم على ما هو مناسب للمجتمع من مقالات أو كتب أو أفلام أو اعمال مسرحية أو اعلاناتألخ. فهل يعقل أن يتحكم مرجع أمني أو ديني بما أنا اراه مناسبا لأطفالي أو لعائلتي؟ أن هذه الممارسة تفترض في ألأساس أن المجتمع قاصر و غير قادر على التمييز بين الخير و الشر بما ينسف ليس فقط حرية الضمير و المعتقد بل جوهر الأديان التي تقوم بغالبيتها على مبدأ أن المؤمن هو من يقرر مدى و طريقة ممارسته للشعائر الدينية لأنه من خلق الرب و يتمتع بعقل و ضمير يسمحان له بالتمييز بين ما يرضي الخالقو ما لا يرضيه.

المرجع الوحيد المؤهّل القيام بالرقابة اللاحقة هو القضاء, بناءً على نصوص قانونية و اجتهادات قضائية, لما لهذا المرجع من مؤهلات و ضوابط قانونية و دستورية تمنعه من الأنزلاق الى الاستنسابية أو التسلط.

أخيراً و ليس أخرا وجب التمييز بين الموقف المتشدد من الرقابة السلطوية و بين الموافقة على الانحرافات الأجتماعية الذي يجب أن تسعى الدولة الى مواجتها في اطار دورها في الحماية. فمن يعترض على ألية الرقابة الاستنسابية ليس بالضرورة منسجما مع سلوك البعض الصادم (كاغنية كلينك مثلا أو أفعال صادمة أخرى).فيمكن لأي شخص أن يكون له موقف (سلبي, حيادي أو أيجابي) من هكذا أعمال و أن يكون في نفس الوقت ضنينا بالحفاظ على الحريات و حقوق الانسان و ضرورة حكم القانون بديلا عن حكم الأهواء الشخصية لهيئات أمنية أو دينية.

أن حماية المجتمع من الانحرافات الأجتماعية لا يبرر قيام وصي على ضميرنا أو الحكم على قدرتنا التمييز بين الخير و الشر. و لن يكون يوما كاهنا أو شيخا أو عنصرا أمنيا أوعى من أب أو أم أو أخت أو أخ فيما يتعلق بمصلحة أفراد عائلته التي لا يمكن أن تحددها الا أطر قضائية تعتمد القانون مرجعا أولا و أخيرا

1 ان الأراء الواردة في هذا المقال لا تعبر بالضرورة عن سياسية أو أراء المؤسسات التي يرتبط معها الكاتب بعلاقة مهنية